السبت، 6 أبريل 2013

ثنائية الثقافة المدنية والثقافة التقليدية





 لما كان التحول الديمقراطي  يعبر عن أهداف وتطلعات غالبية أفراد المجتمع في بناء دولة وطنية حديثة تكون فيها المواطنة المتساوية هي المحك الأساس للوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات فان ترسيخ هذا التحول وتجذيره يتطلب بالضرورة تجديدا في المنظومة الثقافية السائدة ونقصد بذلك ثقافة مدنية تؤسس لوعى جديد يتبلور عمليا في أنماط السلوك والعلاقات والتفاعلات بين الدولة والمجتمع وبين مختلف الأفراد والجماعات ، هذه الثقافة تشكل وعياً ضدياً للتقليدية والعصبوية وما يرتبط بها من قيم ثقافية ، وهنا تتجلى في الواقع المجتمعي إشكالية تعكس صراعاً ثقافياً (قيمياً وسلوكياً) بين مرجعيتين متباينتين تنتمي كل منهما إلى مجال زمني ومعرفي مغاير ، وتعبر كل منهما عن قوى اجتماعية محددة . وذلك يعنى إن التحول إلى الديمقراطية في المجتمع يرتبط به ويترافق معه بروز إشكالية من المحددات الثقافية والقيمية تعكس طبيعة السياق المجتمعي العام ومسار تطوره التاريخي . ولما كان المجتمع اليمني المعاصر يُصنف بأنه مجتمع تقليدي فإن الموروث الثقافي لا يزال يؤثر في مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية . أن الواقع الراهن في المجتمع اليمني – والعربي بشكل عام - يشهد صراعاً بين الثابت والمتحول في القيم والمعايير وأنماط السلوك في إطار جملة من التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يتعرض لها منذ بداية حقبة التسعينات من القرن العشرين ، فالتحول السياسي نحو الديمقراطية هو تعبير عن محاولة الخروج من البناء التقليدي العصبوي ومنظومته الثقافية الموروثة والولوج إلى مرحلة الحداثة السياسية التي تنتمي إليها الدولة الوطنية والتطور الرأسمالي بكل محدداته وتداعياته . إن محاولة بناء دولة مؤسسية ديمقراطية في اليمن وترسيخ وجودها اجتماعياً وسياسياً لابد وأن تتأسس معه ثقافة حديثة تجدد وتطور وعى الأفراد وفق عملية ممنهجة 

 .
وتكمن أهمية التربية المدنية في مجتمع كاليمن ( وفى المجتمع العربي بشكل عام ) من خلال مستويين هما الأول : يرتبط بواقع المجتمع ومكوناته في إطار تشكله التاريخي والثاني يرتبط بواقع السياق الحضاري العالمي الذي لا يمكن الانعزال عنه ، وهنا يمكن القول انه في إطار بناء دولة حديثة ديمقراطية وفى إطار تنمية المجتمع وتحديثه تشكل الثقافة والمعرفة بكل مجالاتها مدخلا هاما لايمكن تجاوزه أو إغفاله ، ذلك إن البناء الديمقراطي وتحقيق التحديث والتنمية لايمكن إن يتم إلا من خلال تنمية الإنسان ذاته أي بناء قدراته علميا ومهاراتيا ومعرفيا وثقافيا وهنا تكون الثقافة المدنية من أهم آليات البناء المعرفي والحضاري للفرد وللمجتمع معا . فالتحول إلى مرحلة الحداثة والدولة الوطنية الديمقراطية لابد له من تغيير وتجديد الإطار الابيستيمولوجى المحدد لذهنية الأفراد واتجاهاتهم وتصوراتهم المحددة لأنماط العلاقات والتفاعلات بعيدا عن مفاهيم وثقافة البنى التقليدية ( القبلية / العشائرية ) ، أي لابد من تجاوز منظومة الثقافة العصبوية المرتبطة بمجتمع اللادولة بما يتضمنه هذا الأخير من بنى ومؤسسات وعلاقات وثقافة ولوجا إلى مرحلة متقدمة في تشكلاتها المؤسسية والمعرفية ومعنى ذلك إن اتجاه المجتمع اليمنى في مسار تطوره بالخروج التدريجي من مرحلة اللادولة ومحدداتها من الأعراف والتقاليد ومن محيطها المكاني الضيق إلى مرحلة الدولة القائمة على محددات القانون و التعاقد الاجتماعي وبتوسيع الإطار المكاني وفق مفهوم الوطن كل ذلك يتطلب بالضرورة تربية مدنية يكتسب الأفراد من خلالها هويتهم الوطنية والحضارية ويكتسبون معارف وثقافة تنظم وتحدد أنماط العلاقات والتفاعلات بين الدولة والمجتمع وبين أفراد المجتمع ذاته وبينهم وبين غيرهم من المجتمعات والشعوب الصراع والتداخل والتأرجح بين نمطين